Logo
تبرع الآن
عظة عيد خميس الجسد ٢٠٢٣

عظة خميس الجسد 

القدس، القبر المقدس، 8 حزيران 2023 

  

الإخوة والأخوات الأعزاء، 

أصحاب السيادة، 

ليكن سلام الرب معكم! 

"تذكر!". إنها الدعوة التي وجهها موسى إلى الشعب بعد تجربة الخروج من الصحراء! (تثنية 6 ، 2). 

"إصنعوا هذا لِذكري!". هذا ما أوصى به الرب في العشاء الأخير وقبل أن يقوم منتصراً على الموت (لوقا 22:19). 

نحن هنا أيضاً لنتذكر ونستعيد إلى القلب والعقل ذكرى الإحتفال بالافخارستيا. بدأ الإحتفال بهذا العيد في لييج (بالجيكا) عام 1247 ، ثم في جميع أنحاء الكنيسة عام 1264 مع قرار البابا أوربانوس الرابع. 

كانت الحاجة الماسة التي دفعت آباءنا للاحتفال بسر القربان الأقدس، بالوجود الحقيقي للمسيح، بعد عدة أشهر من خميس الأسرار. فهي ليست احتفالات ازدواجية، قد تكون نتاج تعبّدات سابقة، ولكن الحاجة إلى التذكر، وإعادة وعي المؤمنين بما يغذينا حقًا، ماذا أو من يغذي الجوع حقًا للحياة والسعادة الساكن في قلبنا، المسيح الرب. 

دعونا ندرك ذلك: الثقافة، ليست فقط الثقافة العالمية، ولكن الثقافة الصغيرة في أيامنا، والتي تحول نفسها إلى عقلية مشتركة، تريد إقناعنا بأن الإنسان يعيش فقط على الخبز، وأن الأشياء والقيم التي نتشاركها سوية، هي التي تعطي معنى لحياة الإنسان ومعاناته وموته. لقد أصبحنا أناسًا منسيين، أناساً سطحيين في حاضرنا، لا نرى أي أفق أمامنا، سوى الأكل والشرب والربح. 

كان هذا موضوعًا للخلافات في العصور الوسطى، والتي دفعت الكنيسة لتأسيس عيد جسد الرب ودمه الأقدسين. حتى في ذلك الوقت كان يُعتقد أن الرمز والقيمة والشعور بالحب يكفي لإشباع الحاجة إلى اللقاء الذي يحرك قلوب البشر معتقدين أنه بإمكاننا العيش بمفردنا. 

ما زلنا نواجه هذا الخطر اليوم وربما أكثر من ذلك الحين: نحن نجازف بالاستقرار بالرموز والطقوس والأفكار، ثم نحصر الحياة الواقعية إلى ما يمكننا استهلاكه، أو تقييد الحب بما يعجبني، أو تقليص الإيمان بما يناسبني أو يقنعني. يسعى الواقع الافتراضي بالسيطرة على حياتنا وعلاقاتنا وإن الكم الهائل من المعلومات تبعدنا عن معرفة الحقيقة. 

لكننا ندرك أنه لا يكفي أن نملأ الفراغ الذي يهددنا. في الواقع، يعرف قلبنا أن الخبز لا يكفي، وأن ملء المعدة أو الجيوب لا يكفي لإرضاء القلب. الرسائل والقيم والمشاعر لا تكفينا. نلاحظ كل يوم، بدهشة متزايدة، أنه مع تطور وسائل التواصل الإجتماعي، ازداد الشعور بالوحدة بشكل كبير. لأن الشركة التي نسعى إليها تحتاج إلى شيء آخر، فهي بحاجة إلى الآخر. قلب الإنسان يريد الحياة، يريد الحب، يريد حضورًا حقيقيًا، يريد الله. 

هنا: اليوم نتجرأ على إعلان والاحتفال و"الكشف" عن قناعتنا بأن يسوع هو الخبز الحي، النازل من السماء. إذا أكل الإنسان هذا الخبز، يحيا إلى الأبد، والخبز الذي يعطينا إياه الله لسدِّ جوعنا هو حياة المسيح التي نقدمها للعالم. 

فالاحتفال بجسد الرب ودمه هو بالنسبة لنا الاحتفال بحقيقة واقعية، حياة المسيح وحقيقة حياتنا فيه. نعم: لأن المسيح هو الحق، إنه حقيقي، إنه الحي. إنه ليس رسالة طيبة بسيطة، إنه ليس مجرد مثال لنا، إنه قلب العالم والتاريخ، الوجود السرّي الذي يريد الدخول في علاقة حقيقية معنا. إن أكل خبزه، وشرب خمره، والتعبد لسِّر جسده ودمه، هو تأكيد وحق من أجلنا. 

وإذا كان المسيح صادقًا وحقيقيًا، فإن حياتنا صحيحة وحقيقية معه فقط. عرف كل من الرسل وزكا ونيقوديموس ولعازر والمرأة السامرية هذه الحقيقة... وعرفها كل قديسي الكنيسة... وأيضاُ الكهنة والمكرسون الذين يحتفلون اليوم بالذكرى السنوية للقائهم بيسوع في سر الإفخارستيا. ونحن المحتفلينَّ هنا اليوم نعرف ذلك: أن حياتنا بدونه ضائعة في المشاعر المتضاربة والقيم الهشة للعالم. 

نحن نعلم أن حبه ليس أي محبة، وخبزه ليس أي خبز، وكلمته ليست أية كلمة، فهي تعطي معنى للحياة والموت. لأن حبه وخبزه وكلمته فقط عَبرت بنا من صحراء شر الموت ولم تمت: لأن "من يأكل جسدي ويشرب دمي له الحياة الأبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو 6 ، 54). 

أيها الأعزاء، 

في الأوقات السهلة والصعبة، عندما يبدو أن الكنيسة والعالم يعانيان من ارتباك لم يسبق له مثيل من قبل، يدعونا الإحتفال بجسد الرب ودمه الأقدسين إلى أن نتذكر الحقيقة الواضحة، والعودة إلى الخبز الحقيقي، وبناء الشركة والمجتمع حول الحب الحقيقي للعبور من الصحراء إلى الحياة. 

ليغذي ويقوي الخبز السماوي مسيرة كنيستنا في الأرض المقدسة، ويشددنا في صعوباتنا المختلفة، بشفاعة العذراء أم الكنيسة وأمنا. آمين.