جميلة هي هذه الأيام التي تمرّ علينا في حياة الكنيسة، فهي من الأوقات (ما بعد عيد الفصح عادة) التي تحتفل بها الكنائس بمنح سرّي المناولة الأولى والميرون الأقدسين لعديد من الأطفال، فيكونوا مستعدين للشهادة بحياتهم وأعمالهم وتصرفاتهم للسيد المسيح.
تأسس سرّ الإفخارستيا والميرون الأقدسين من قبل السيد المسيح، وهما العطيتان السماويتان الأزليتان. يمكننا مراجعة العديد من القراءات في العهد الجديد سأذكر واحدا من كل انجيل: متى 26 ؛ مرقس 14 ؛ لوقا 22 ؛ يوحنا 6 أما بخصوص ذكر الروح القدس فيمكننا قراءة النصوص التالية: متى 28 ؛ مرقس 3 ؛ لوقا 4 ، يوحنا 14 بالإضافة إلى العديد من الذكر أو الأحداث المرتبطة في كل الكتاب المقدس بعهديه.
الجمعة 24 أيار 2024، منح غبطة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا سري المناولة والتثبيت المقدسين إلى أبناء رعية مادبا.
أسرار التنشئة
تلتزم الكنيسة على اختلاف طقوسها بمنح أسرار التنشئة لأبنائها (العماد والمناولة والميرون) ولكنها قد تختلف في توقيت منح هذا السرّ. لذا نرى الكنائس الشرقية عامة، تمنح هذه الأسرار في طقس العماد، بينما تمنح الكنائس الكاثوليكية هذه الأسرار بشكل منفصل، مهتمة بضرورة تنشئة الأطفال على معاني الأسرار وأهميتها في حياتهم.
منذ اللحظة التي ينال فيها الأبناء أسرار التنشئة، يصبح هو أيضاً مسؤول عن كلمة الله والشهادة لها في حياته وأعماله، كما جاء على لسان القديس بولس: "ولكِنِّي لا أُبالي بِحَياتي ولا أَرى لها قيمةً عِنْدي، فحَسبي أَن أُتِمَّ شَوطي وأُتِمَّ الخِدمَةَ الَّتي تَلَقَّيتُها مِنَ الرَّبِّ يسوع، أَي أَن أَشهَدَ لِبِشارةِ نِعمَةِ الله." (أعمال 20: 24).
الوالدان والأشابين
من الضروري أن يقوم الوالدان بتشجيع أبنائهم على الالتزام بحياة الكنيسة ونشاطاتها المختلفة، وخاصة مع اقتراب موسم الصيف وانتهاء المدارس. وتعتبر مشاركتهم جزءاً لا يتجزأ من عمل الله الخلاصي، لأنهم بوجودهم في أحضان كنيستهم يتعلمون كيف يحبون بعضهم بعضاً. "حِبُّوا بَعضُكم بَعضاً. كما أَحبَبتُكم أَحِبُّوا أَنتُم أَيضاً بَعَضُكم بَعْضاً. إذا أَحَبَّ بَعضُكُم بَعضاً عَرَف النَّاسُ جَميعاً أَنَّكُم تَلاميذي" (يوحنا 13: 34-35).
كما أن للأشابين في العماد أو التثبيت (غالباً ما يكون نفس الشخص للسرّين) دور مهم لا يقف عند الأمور المادية والهدايا، بل عليهم أن يرعوه روحياً، أي أن يهتموا لحياته الروحية والنفسية، ليعيش الطفل سليماً في البيئة والمجتمع الذي ينتمي إليه. وهذه المسؤولية الكبيرة ترافق مهمة الوالدين في تنشئة وتربية أولادهم بشكل سليم وآمن في عالمهم.
الجمعة 31 أيار 2024، ترأس المطران وليم شوملي، النائب البطريركي العام، القداس الإلهي لمنح سر التثبيت الأقدس لأبناء رعية اللاتين في رفيديا- نابلس.
أعداد قليلة
اختلفت أعداد المتقدمين للأسرار المقدسة من رعية إلى أخرى، وهذا ما يدعونا إلى التفكير بهذه الأرقام الصغيرة نسبياً، عددنا قليل في المجتمع، وينتج عن عدة أسباب مختلفة، منها: قلة الإنجاب، الهجرة، التكاليف المعيشية العالية... وغيرها الكثير. إلا أننا هنا نتذكر بوضوح ما قاله السيد المسيح: "أَنتُم مِلحُ الأَرض، فإِذا فَسَدَ المِلْح، فأيُّ شَيءٍ يُمَلِّحُه؟ (...) أَنتُم نورُ العالَم. (...) هكذا فَلْيُضِئْ نُورُكُم لِلنَّاس، لِيَرَوْا أَعمالَكُمُ الصَّالحة، فيُمَجِّدوا أَباكُمُ الَّذي في السَّمَوات" (متى 5: 13-16) فمهما كان عددنا قليل، يجب علينا أن نبقى نوراً وملحاً للعالم.
أن نبقى نوراً وملحاً يُلزِمنا بأن نكون جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الذي نعيش فيه، جزءاً فعالاً ومشاركاً وليس متفرجاً أو متأملاً دون أن يحرك ساكناً، جزءاً يعكس ثقافته الدينية بكل ما فيها من قيّم وعادات في بحر الحياة اليومية التي يخوضوها.
نختم ونقول
لنصلي سوية من أجل هؤلاء الأطفال الذين نالوا هذه الأسرار المقدسة، فهُم مستقبل الكنيسة، كما وأنهم مستقبل العالم، لعلهم لا يقعون في أخطائنا الماضية، ويسعون بكل ما يمنحون من قوة وبركة ونعمة، أن يحققوا السلام العادل، والأخوة المشتركة، والحياة الهادئة، فيسيروا بحسب نصائح القديس بولس: "لِتَنزِلْ فِيكم كَلِمَةُ المسيحِ وافِرةً لِتُعلِّموا بَعضُكم بَعضًا وتَتبادَلوا النَّصيحةَ بِكُلِّ حِكمَة. رَتِّلوا للهِ مِن صَميمِ قُلوبِكم شاكِرين بِمَزاميرَ وتَسابيحَ وأَناشيدَ رُوحِيَّة. ومَهْما يَكُنْ لَكم مِن قَولٍ أَو فِعْل، فلْيَكُنْ بِاسمِ الرَّبِّ يسوع تَشكُرونَ بِه اللهَ الآب". (قولسي 3: 16-17)
زوروا صفحة الفيسبوك الخاصة في البطريركية للطلاع على كافة صور الاحتفالات!