منذ السابع من تشرين الأول، تفاقمت الأزمة المادية التي تواجهها العديد من الأسر، ولا سيما في الضفة الغربية والقدس. إذ يكافحون في سبيل توفير لقمة العيش، ويساورهم القلق حيال مستقبلهم ومستقبل أطفالهم. لم تتمكن السلطة الفلسطينية من دفع كافة الرواتب كما ولجأت العديد من الشركات إلى خفض ميزانياتها لضمان مواصلة عملياتها خلال الحرب. كما فقد العديد من العمال الذين يعملون في إسرائيل وظائفهم دون سابق انذار نتيجة لإيقاف إصدار التصاريح الخاصة بالعمل، إذ باتوا يواجهون الآن تحديًا شاقًا يتمثل في العثور على عمل جديد في الضفة الغربية، حيث فرص العمل المتاحة لهم محدودة للغاية. كما تضررت العديد من الأسر المسيحية العاملة في قطاع السياحة بشدة بسبب الانقطاع التام للأعمال التجارية المتعلقة بالسياحة، مما أدى إلى فقدان أكثر من 3,000 مسيحي فلسطيني لوظائفهم.
وبدعم من فرسان القبر المقدس، تمكنت البطريركية اللاتينية في المرحلة الأولى من مشروع "خلق فرص عمل" المستمر توظيف ومساعدة 173 عائلة من مختلف الرعايا اللاتينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ تشرين الأول 2023. وقد خفّف هذا الدعم من الأعباء المالية التي كانت تثقل كاهل أولئك الذين فقدوا وظائفهم أو كانوا معرّضين لخطر البطالة، مما بعث الأمل في مستقبل أكثر استقرارًا للعديد من الأسر المسيحية في الأرض المقدسة.
تم تقسيم مشروع خلق فرص العمل إلى برامج متنوعة مصممة لتلبية الاحتياجات المختلفة.
فيما يلي ثلاث شهادات حيّة تكشف عن مدى تأثير المساعدة الإنسانية على حياة العديد من الأسر في خضم هذه الأوقات العصيبة من الحرب.
شهادة خبرة أولى
ن. أ.، المعيلة الوحيدة لأسرتها، ولدت في غزة وتبلغ من العمر 30 عامًا. انتقلت مع أسرتها إلى رام الله أملًا في الحصول على حياة أفضل. لديها ثلاثة أشقاء أصغر سنًا عاطلين عن العمل لم يتمكنوا من إكمال تعليمهم بسبب الظروف المادية. يبلغ والدها من العمر 60 عامًا ويعاني من مشاكل صحية عديدة. لقد فقد بصره تمامًا بسبب ارتفاع ضغط الدم، ويعاني حاليًا من التهابات في الرئة ويعتمد على أنابيب الأكسجين. وهو بحاجة إلى مساعدة ورعاية يومية، لذلك تبقى والدتها في المنزل لإعالة الأسرة من خلال رعاية زوجها وأطفالهما.
كانت ن. أ. محظوظة لإكمال دراستها والحصول على دبلوم في إدارة الأعمال والمشاريع. لكنها لم تتمكن من الحصول على وظيفة. زادت الحرب من تفاقم وضعها المادي أكثر من أي وقت مضى، وباتت تعاني من صعوبة تأمين المستلزمات الأساسية للحياة بسبب الدمار الذي طال منزلها ومتجر العائلة في غزة الذي كان مصدر دخلهم الوحيد قبل نشوب الحرب. كانوا يمرّون في ظروف عصيبة إلى أن وفّرت لها البطريركية اللاتينية وظيفة مؤقتة كسكرتيرة في مكتب التعليم المسيحي في رام الله. وأعربت عن امتنانها لهذه الفرصة التي كانت محورية في حياتها، قائلةً "لقد غيّر مشروع إعادة التوظيف حياتي. فقد ساعدني في التخفيف من الهموم التي كانت تساورني كل يوم، وخفف من وطأة معاناتي في توفير مستلزمات الحياة اليومية لي ولأسرتي في هذه الأوقات الصعبة. لقد أثّرت الحرب على وضعنا المادي بشكل كبير. أشكر الله على هذه الفرصة وآمل أن استمر في التقدم في مسيرتي المهنية لكي أتمكن من مواصلة إعالة أسرتي."
شهادة خبرة ثانية
يعاني م. س. من إعاقة بصرية، وهو من سكان بيت جالا، فقد عمله "كبائع متجول مرخص للتذكارات الدينية" ولكن عُرضت عليه فرصة تدريب مدفوعة الأجر في جمعية بيت لحم العربية للتأهيل. وقد أتاحت له هذه الفرصة دعمًا ماليًا ومكنته من اكتساب مهارات جديدة.
شهادة خبرة ثالثة
ك. أ. من رام الله، كان عاطلًا عن العمل لمدة شهر ونصف قبل أن تم تعيينه للإشراف على مشروع محدود لترميم المباني القديمة، كالمدارس والمكاتب، للبطريركية اللاتينية في رام الله. وبفضل هذا المشروع تم توظيف سبعة عمال بناء كانوا قد فقدوا وظائفهم بسبب إلغاء تصاريح العمل. ويشهد ك.أ بصفته المشرف عليهم والذي ساعد في تعيين مهامهم، أن هذه الفرصة ساهمت في تخفيف الضغط المالي عن كاهل هؤلاء الآباء ومكنتهم من إعالة عائلاتهم وأطفالهم. وعلى الرغم من أن هذه المساعدات ليست دائمة أو بقدر ما كان عليه مدخولهم السابق، إلا أنها أحدثت فرقًا ملحوظًا في خضم هذه الأوقات الصعبة التي لم يسبق لها مثيل. لقد منحهم ذلك وسيلة لتحسين حياتهم، بدلاً من مجرد انتظار تحسُّن الظروف. كما تم تنفيذ مشاريع مماثلة في عابود وبيت ساحور ومناطق أخرى من الأبرشية، مما وفر مساعدات مالية مؤقتة للعديد من عمال البناء الذين لا يزالون عاطلين عن العمل في انتظار انتهاء الحرب، متّكلين على رحمة الله ونعمته وسط الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية والتوتر السياسي في الأرض المقدسة.
تعتبر هذه المرحلة من المساعدات ليست سوى جزء من العمل الإنساني الذي تقدمه الكنيسة لأبنائها في وقت الشدة، فهناك عدد من المشاريع الأخرى التي قامت البطريركية بتنفيذها خلال الفترة السابقة والتي مكنتها من دعم ومساعدة العديد من أبناء العائلات المسيحية، مثل كوبونات الشراء، ودعم بعض الفرق والمؤسسات الصغيرة مادياً، توفير فرص عمل مؤقتة في بعض المجالات مثل أعمال الطلاء والمقاولة وأعمال الحجارة والصيانة العامة.
تأتي هذه الجهود ثمرة النداء العام الذي أطلقه صاحب الغبطة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، بتاريخ 12 تشرين الثاني 2023 لمساعدة العائلات المسيحية في الأرض المقدسة كافة والذي حقق صدى واسع النطاق لدى العديد من أهل الخير المحليين والأجانب ولدى المؤسسات والجمعيات المحلية والدولية والكنسية، الذين يحبون الأرض المقدسة، والذين يرغبون في مساندة ودعم صمود أهلنا في هذه الأرض. ولا يسعنا في الختام إلا أن نصلي من أجلهم جميعاً، شاكرين لهم هذه الوقفة الأمينة الصادقة معنا خلال فترة الشدة التي نمرّ بها، آملين أن ينتهي هذا الصراع نهائياً وأن نعيش بكرامة وعدل في أرضنا ووطننا.
للمهتمين بدعم رسالة البطريركية اللاتينية في الأرض المقدسة، اضغط هنا للتبرع.