Logo
تبرع الآن
سبت النور 2023

الإخوة والأخوات الأعزاء ، 

ليكن سلام الرب معكم! 

إن نور المسيح القائم ينير ظلام كل الليالي. نراه يتوهج في شعلة الشمعة الفصحية الجديدة. لكنه نور يمكن ليس رؤيته فحسب، بل سماعه أيضًا، من خلال ليتورجيا هذه العشية الفصحية. أنه نور يضيء للجالسين في الظلمة وظلال الموت ويرشد أقدامنا إلى سبيل السلامة. 

لقد سمعنا قصة الوعد بالحياة التي امتدت على مدى أجيال. إنه وعد إله يخلق العالم لهدف محدد وهو إقامة عهد مع الإنسان. لقد بدأنا من رواية الخلق، ثم استذكرنا تاريخ البشرية من خلال منظور الله، الذي دعاها للترحيب بهبة العهد معه ولتتحمل مسؤولية النعمة التي حصلت عليها. 

إنها قصة مكونة من نجاحات وفشل، تبدأ دائمًا من جديد وتتمتع بهذه الخاصية: عندما يبدو أنها مضت وانقضت، ولا أمل في إحيائها بسبب قسوة قلب الإنسان، فإنها تنطلق مجددا. يتدخل الله ويعطي شيئًا جديدًا: يعطي الحياة، يعطي الحرية، يعطي الشريعة، ويمنح قلبًا جديدًا. وبهذه الطريقة يعيدنا إلى الطريق، ويعيد إلينا القوة والأمل واليقين بأنه يسير معنا وفيما بيننا. 

يمكن لموت المسيح أن يجعلنا نعتقد أنه في مرحلة معينة من التاريخ، انتهى الوعد بضربة قاضية: فيسوع، متمم الوعد، الحاصل على رضى الآب، صُلب ومات ووُضع في قبر. لقد حدث أن يسوع، الذي جاء ليعلن للإنسان مرة أخرى عن الحب المجاني للآب، وقام بعمل الخير وشفاء الجميع (أعمال الرسل 10: 38)، قوبل بعدم الفهم والرفض من قبل خاصته. تعرض للخيانة، والحرمان، والبيع، والتسليم، والسخرية، والتعذيب، والصلب، والموت. من الناحية الإنسانية، انتهت حياته بأسوأ أنواع الفشل. 

في صباح اليوم الأول بعد السبت، تذهب النسوة إلى القبر، والحزن يملأ قلوبهن. يقول الإنجيلي متى: "ذهبت مريم المجدلية ومريم الأخرى لزيارة القبر" (28: 1). من هذا الوعد بالحياة، لم يبق سوى قبر، قبر دحرج فوقه حجر كبير (متى 27: 60). 

هكذا يبدأ إنجيل هذه العشية، بذكر قبر يذهبن إليه للبكاء. 

ولكن بعد ذلك بقليل، نرى تحولًا مفاجئًا: يقول الإنجيل أن هؤلاء النسوة يغادرن القبر على عجل، ولا يبقَيْن هناك للبكاء والحزن والأسى، بل يملؤهن رهبة وفرح عظيمان (متى 28 ، 8). عُدنَ إلى التلاميذ حاملات بشرى الحياة. 

ماذا حدث وما سبب هذا الانقلاب؟ يخبرنا النص عن عنصرين: الزلزال والملاك. 

الزلزال، في الوحي، مرتبط دائمًا بالظواهر العظيمة: في سيناء (خروج 19) على سبيل المثال، عندما يكشف الله عن نفسه، ارتعدت الأرض. إنها علامة على قوة الله، على سموه، وعلى جبروته. لكننا نعلم أيضًا أن الزلزال يدمّر، وقد رأينا مؤخرًا مدى قوة الزلزال المدمرة. يمكننا أن نقول هنا أيضًا، في عشية عيد الفصح، أن الزلزال يدمر: ليس الحياة، بل الموت وقوته. وهو في الواقع مصحوب بحضور ملاك يشع بالنور، يقترب من القبر، ويدحرج الحجر ويجلس عليه (مت 28: 2). 

ينهزم الموت، ويجلس الملاك فوقه، لأنه يسيطر عليه، ولأنه في قبضته. لم يعد الموت يسيطر على جسد يسوع: حجر القبر قد دُحرج. لقد كان بابًا ثقيلًا، صخرة أثقلت قلوبنا جميعًا، ولكن الملاك يجلس الآن فوقها. 

للملائكة، في إنجيل متى، دور هام منذ البداية. دعونا نفكر في يوسف... إنه منزعج من حَبَل مريم، والملاك هو الذي يفسر له الأحداث، ويكشف له معنى تلك الولادة. فالذي كوّن فيها هو من من الله. 

ونرى الشيء نفسه هنا: الملاك يكشف للنساء أن ما حدث يأتي من الله، وأن ما يحدث هو ولادة جديدة. شيء ما يموت، شيء آخر يولد. تولد حياة جديدة، عهد جديد، لأن الرب قد قام، ولم يعد عبدا للموت. 

هنا، إذن، انقلاب للموقف: إذا كانت النسوة سائرات نحو القبر، فإنهن الآن يتركن القبر وراءهن ويعدن إلى الحياة. إذا كانت البشرية جمعاء، مع النسوة، في طريقها إلى الموت، فالأمر قد انعكس: من هناك، من الموت المهزوم، تنطلق البشرية مرة أخرى، في طريقها نحو الحياة. 

وها إن الإنجيل يشير أيضًا إلى حالة، إلى مقطع يجعل هذه الولادة الجديدة ممكنة. والشرط هو ما قاله الملاك للمرأة: "تعاليا وانظرا الموضع الذي كان قد وضع فيه" (مت 28: 6). بعبارة أخرى، إنها مسألة التوقف، دون الهروب، عند مكان الموت، مكان الفشل واستحالة الحياة. بل إن الأمر يتعلق بعمل ما يطلبه الملاك من النسوة، أي النظر إلى العدم، إلى ذلك القبر الفارغ، وإلقاء نظرة فاحصة، ودخول تلك الهاوية التي حكمت بالفشل على الحياة ووعد الله: "تعاليا وانظرا الموضع الذي كان قد وضع فيه" (متى 28: 6). 

في الواقع، هناك فقط يمكن للإنسان أن يسمع الوعد مرة أخرى، وهناك فقط يمكنه أن يؤمن ببداية جديدة. فقط بعد أن يدرك الإنسان معنى الخطيئة والموت، يمكنه أن يختبر المغفرة والخلاص، ويمكنه أن ينطلق من جديد، بفرح جديد في قلبه، وبكلمة جديدة على شفاهه: "أَسرِعا في الذَّهابِ إِلى تَلاميذِه وقولا لَهم: إِنَّهُ قامَ مِن بَينِ الأَموات، وها هُوذا يَتَقَدَّمُكم إِلى الجَليل، فهناك تَرونَه. ها إِنِّي قد بلَّغتُكما" (مت 28: 7). 

وبهذه الطريقة يتم اللقاء مع الرب القائم من بين الأموات. وهنا أريد أن أشير إلى عنصرين فقط. 

الأول هو أن اللقاء لا يحدث عند القبر، بل في الطريق، عندما تكون النسوة قد باشرن بالإيمان الفعلي بكلمة الملاك وعكسن مسار رحلتهن. بالنسبة لمن يغادر القبر، ويؤمن بالنصر على الموت وينطلق، وإن رافقه بعض الخوف، ودون أن يفهم كل شيء عن الإيمان، فسيحدث اللقاء مع الرب وتبدأ سلسلة من البشائر والنظرات الجديدة. وكل بشرى قادرة على فتح أعيننا لنرى مرة أخرى حضور المسيح الحيّ إلى جانبنا، في الحياة اليومية. 

لا تزال كلمات الملاك تتردد حتى اليوم في الكنيسة: " لا تخافا أَنتُما. أَنا أَعلَمُ أَنَّكُما تَطلُبانِ يسوعَ المَصْلوب. إِنَّه ليسَ هَهُنا، فقَد قامَ كما قال... ها إِنِّي قد بلَّغتُكما "(متى 28، 5-7). إن مهمة الكنيسة هي التبشير بهذه الدينامية الجديدة للحياة، التي تصل من الملاك إلى النسوة، ومن النسوة إلى التلاميذ، ومنهم إلى العالم أجمع. إنه الشيء الوحيد الذي دُعيت الكنيسة إلى تحقيقه، والذي من أجله توجد، وهو إعلان قيامة المسيح وأنه هو الرب. كل ما تبقّى هو زائد وقد لا يكون موجودًا: " ها إِنِّي قد بلَّغتُكما " (متى 28، 7). ربما نحن أيضا، مثل النساء، لم نفهم كل شيء. ربما مثل التلاميذ، نحن أيضًا غير متأكدين ومتشككين (متى 28، 17)، وفينا ذرة من الإيمان فقط. لكن لا يُطلب منا أن نكون كاملين، بل أن نتفق على عكس اتجاه سيرنا، وترك قبورنا، وعدم الاستسلام لأسباب الموت الصغيرة منها والكبيرة. 

العنصر الثاني هو البساطة المذهلة لهذا اللقاء: مرة أخرى، جمال الحياة الجديدة لا يكمن في العلامات أو الأحداث العظيمة، بل في البساطة والتواضع، في بهجة الكلمات المنطوق بها والمسموعة، وفي الأفق الذي ينفتح على مسؤولية جلب الآخرين أيضًا، إلى لقاء رب الحياة. 

عسى كنيستنا، كنيسة القدس، التي كانت أول من تلقت هذا الإعلان العظيم، ألا تبحث عن الحي ما بين الأموات (لوقا 24، 5)، أولئك الذين فقدوا الأمل وظلوا منغلقين في قبورهم. من هذا المكان، من قبر المسيح الفارغ، لا تزال هذه البشرى السارة تصل إلى العالم كله اليوم: "إنه ليس هنا. قد قام كما قال "(متى 28: 6). 

†بييرباتيستا بيتسابالا 
بطريرك القدس للاتين