Logo
تبرع الآن
عظة أحد الفصح المجيد ٢٠٢١

أحد القيامة المجيدة ٢٠٢١

القدس – ٤ نيسان ٢٠٢١

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء

المسيح قام. حقًّا قام. هللويا

نجتمعُ اليومَ هنا، مرّةً أخرى، لنختتم أسبوعَ صلاةٍ واحتفال. جِئْنا مرّةً أخرى هنا، إلى القبر، لنُعلِنَ بقوّةٍ وفرح أنّ المسيح قد قام، وأن الموتَ لم يَعُدْ له سلطانٌ عليه، ولا على أيِّ واحدٍ منّا. بدَأْنا الاحتفالَ اليومَ بترنيمِ الأنتيفونا: "لَقَد قُمْتُ، وَهَا أَنَا مَعَكُم دَائِمًا، هللويا". إنها صرخةُ فرحِ الكنيسة، بعدَ أيامِ الألمِ والعذاب، بعد أيامِ آلامِ الربِّ وموتِه ودفنِه. هذه الكلماتُ مقتبسةٌ من المزمور ١٣٩، وُضِعَت على فَمِ يسوع ، الذي قامَ ممجَّدًا من هذا القبر، إذ أقامَه الآبُ من بين الأموات. لكنها أيضًا كلماتٌ يمكن أن يردِّدَها كلُّ واحدٍ منّا، نحن المجتمعين هنا، في أقدسِ مكان، لأنَّنا، في المسيحِ القائمِ من الموت، وُلِدْنا من جديد، ومن الخطيئةِ والموتِ انتقَلْنا إلى النعمةِ والحياة، ولأنّنا نعلمُ أنّ المسيحَ قامَ من بين الأموات، ولن يموتَ بعد الآن، لن يموتَ أبدًا مرةً أخرى. لم يَعُدْ للموتِ سلطانٌ عليه (روما ٦: ٩). في هذا اليومِ الذي صنعَه الربّ (مزمور ١١٨: ٢٤) ، في اليومِ الأولِ من الأسبوع، اجتمَعْنا لنَشهدَ لحَدَثِ القيامة، ولنُعلِنَ أنّ المسيحَ القائمَ من بينِ الأموات سيبقى معَنا دائمًا.

إنجيلُ عيدِ الفصحِ مليءٌ بالأفعالِ التي تحمِلُ دلالةً خاصًّة، وأَبرَزُها واحدٌ وهو "رأى". عيدُ الفصحِ كلُّه واقعُ "رؤية"، أمورٌ تُرَى وأناسٌ يَرَوْن ... مريم رَأَت الحجرَ المدحرج (٢٠: ١)، وبطرس رأى اللفائف (٢٠: ٥)، ويوحنا رأى القبرَ الفارغ ... (٢٠: ٤). لم يجدوا الجسد، لكنهم رأَوْا ... والرؤيةُ تزدادُ شيئًا فشيئًا إلى أن يصرخوا: "لقد رأينا الرب!" (٢٠: ٢٥).

"رَأَى وَآمَنَ ...." (٢٠: ٨). "وآمن"، الإيمان هو نوعٌ من الرؤيةِ في الأعماق، والاعترافُ بأنَ غيابَ جسدِ يسوع، لا يَعني أنهم سرقوه، بل أنًّ حياةً جديدةً بدأَتْ. رأَى فراغًا، وآمنَ أنّ هذا الفراغَ هو في الواقع امتلاءٌ.

هذا ما نحن مدعوُّون اليومَ إلى عملِه، كلُّ واحدٍ منّا: أن ندخُلَ في مكانِ الموت، وأن نقفَ هناك على حافةِ القبر، لنرى ونؤمنَ أنه، على الرغمِ من استمرارِ الخوفِ من الموت، إلّا أنه في الواقع لم يعد للموتِ سلطان.

نحن مدعوٌّون إلى أن نسكُنَ عندَ عتَبَةِ القبر، وكأننا واقفون عندَ حدودٍ مفتوحة، عند مَعبَرٍ، لنعيشَ باستمرارِ هذه الحركة، هذا المرورَ من الموتِ إلى الحياة.

نحن مدعوُّون إلى أن نرى أنّ آثارَ الموتِ ما زالت موجودة، فينا وفي مَن حولَنا، ولكنّنا مدعوُّون أيضًا إلى أن نؤمن بهذا الشيءِ الجديدِ، العظيمِ والمطلق، أنَّ هنا قويًّا، وهو "الأقوى"، جاءَ إلى العالم ليَهزِمَ العدُوّ الذي لم يَكُنْ في استطاعةِ الإنسانِ وحدَه حتى أن يقِفَ أمامَه.

أعتقِدُ أنْ هذا هو الفصح. خصوصَا هذا: لم يَتِمَّ العثورُ على أجساد، ولكنَّه عيونٌ تُفتَحُ ... الفصحُ هو نظرةٌ أكثر ممـّا هو رؤيةُ شيء، إنه رؤيةٌ جديدةٌ أكثرَ منه العثورُ على أمورٍ كانت، الأمورِ نفسِها دائمًا.

في هذا العام الماضي، في كلِّ أنحاءِ العالمِ تقريبًا، أحصَيْنا أعدادَ المصابين بالعدوى، والمرضى، والوَفَيات، وربما نحن جميعًا، مثلَ مريم المجدلية قليلاً، نميلُ إلى الركض إلى الوراء، للعثورِ على الأجسادِ التي فقَدْناها، والفرصَ الضائعة، والأعيادَ المؤجَّلة، والحياةَ التي بدَتْ وكأنَّها تهرُبُ منّا. نحلَمُ جميعًا بالعودةِ إلى حالةٍ طبيعية، وهو الأمرُ الذي يمكنُ أن يكونَ شبيهًا بالرغبةِ في العثورِ على جُثًّة، أو على عالمٍ مريض، وحياةٍ مريضة طبَعَها الموت.

في هذا المكان، هنا، يصدَحُ صوتُ القائمِ محاطًا بسِرِّه، ليوجِّه بحثَنا ويعيدَ فتحَ أعينِنا، ويجعلَها قادرةً على الرؤية حيث لا شيءَ يُرَى، في الفراغ. وهكذا، نحن الذين نريدُ أن نجدَ ما فقدناه، نجدُ أنفسَنا قادرين على رؤيةِ أعظمِ أمرٍ جديدٍ في الفصح، إذا استمَعْنا إلى ذلك الصوت، الذي يكلِّمُنا عن مستقبَلٍ مجهول، ولكنه ممكِن، والذي لا يعيدُنا إلى الوراء، بل إلى الآب وإلى الإخوة (متى ٢٨: ١٠)، ويدفعُنا إلى متابعةِ السيرِ لا إلى الرجوعِ إلى الوراء.

الفصح هو مراهنة على المستحيل الذي بيد الله، وليس على ما هو ممكنٌ لدى البشر. الفصح هو رؤيةٌ في الفراغ، والنظرُ إلى علاماتِ الآلام، لنرى فيها مقدَّمةَ حياةٍ جديدةٍ وفوقَ العادة، والوعدَ بها. ليس لأننا نحلَم، لكن لأننا نؤمنُ بالله، سيِّدِ المستحيل.

أعتقدُ أنّ هذا العالم، المـُتعَبَ، والجريح، والمـُنهَك بسببِ الوباءِ، والخوفِ والموت والألمِ الكثير، والذي أنهكَتْه أبحاثٌ كثيرةٌ من دونِ جدوى، والذي كلَّما زادَ سعيُه قلَّ تقدُّمُه وعثورُه على شيء، - هذا العالمُ ازدادَتْ حاجتُه إلى كنيسةٍ عيونُها مفتوحة، ولها نَظرةُ فِصح، تَعرِفُ أن ترى آثارَ الحياةِ، حتى بينَ علاماتِ الموت. هنا، جنبًا إلى جنب مع المسيح، يمكنُ ويجبُ أن تقومَ كنيسةٌ دعاها الربُّ باسمِها، لتُسرِعَ وتُعلِنَ بفرح أنّها رأَتْ الربَّ في العديدِ من الوجوه، وفي العديدِ من قِصَصِ الجمال والصلاح والقداسة لتي عزَّتها وتعزَيها في مسيرَتِها.

من الفصحِ، يمكنُ ويجبُ أن تنطلِقَ كنيسةٌ تفتخرُ، بتواضعٍ، بانتصارِ ربِّها، وتتجرّأُ على تقديمِ فرحِ الإنجيل للجميع، لإعادةِ تصميمِ عالمٍ جديد، وتاريخِ علاقاتٍ جديدةٍ من العدلِ والأخُوّة. المسيح ليس جُثَّة، وكلمتُه ليسَتْ حرفًا ميْتًا، وملكوتُه ليس حُلمًا محطّمًا، ووصيَّته لم تَمُتْ: هو الحياة، حياتُنا، وحياةُ الكنيسةِ والعالم. هو الحقيقة، حقيقتُنا، وحقيقةُ الكنيسة التي يرفضُها الأقوياء في كثيرٍ من الأحيان، لكنَّها حجرُ الزاويةِ في كلِّ بناءٍ يريدُ أن يتحدَّى العواصف. إنه الطريق، طريقُنا، وطريقُ الكنيسة، التي تمُرُّ بالتأكيد عَبرَ الجلجلة، ولكنَّها تَصِلُ حَتمًا إلى مِلءِ الفرح. مع الكنيسةِ كلِّها نريدُ أن نعيشَ هنا بهذه الحياة، وأن نعلِنَ هذه الحقيقة، وأن نسيرَ في هذا الطريق. يجبُ أن نتحلَّى بالشجاعة، لنكونَ تلاميذَ المستحيل، قادرين على رؤيةِ العالمِ بنظرةِ الفِداءِ بعدَ اللقاءِ مع القائمِ من بين الأموات، فنؤمنُ الإيمانَ الراسخ، إيمانَ الذين اختبروا اللقاءَ مع الحياة. وللمؤمنِ لا شيء مستحيل.

هذا ما أرَى من المناسِبِ أن أقولَه لكنيستنا: تشجَّعوا! لا شيءَ مستحيل. فلنتوقَّفْ عن الانطواءِ على جراحِنا، وعن البحثِ عن الأحياء بين الأموات، وعن النظرِ إلى الوراء، إلى ماضينا، إلى ما كنَّا عليه، وما فقدناه. لن نجِدَ القائمَ من بين الأموات هناك، فِصحُنا ليس هناك!

في هذه الأيام، سنسمعُ ترديدَ التحيةِ التقليديةِ في شوارعِنا: المسيح قام، حقا قام!

لا تَكُنْ مجرّدَ تحية، بل لتَكُنْ إعلانًا منّا، أفرادًا، وكنيسة تعرفُ أن تشهدَ باقتناعٍ ويقينٍ، أنّ كلّ موت، وكلَّ ألم، وكلَّ تعب، وكلَّ دمعة، يمكن أن تتحوّلَ إلى حياة. وأنه يوجَدُ أمل. يوجَدُ دائمًا امل.

لكلِّ واحدٍ منّا، ولكنيستِنا، ومدينتِنا، أتمنى أن نعيشَ دائمًا في نورِ القائمِ من بين الأموات الذي يمنحُ الفرحَ والحياةَ لمـَن يريدُ أن يقبلَ الفرحَ والحياة.

عيد قيامة مجيدة.

المسيح قام. حقًّا قام. هللويا

كل عام وأنتم بخير.

† بييرباتيستا بيتسابالا
بطريرك القدس للاتين